Home

 

   

لمحة عن تاريخ الحياة الرهبانية


مبادئ الحياة الرهبانية

منذ مبادئ المسيحية وُجدت نفوس واعية، جَهِدت باستمرار للتقرّب إلى الله والاتحاد به بواسطة الاقتداء بفضائله, والتمثل بحياته, وبواسطة محبة وخدمة القريب على مثال المسيح.

لكن هذه الجهود المسيحية الأولى كانت جهوداً شخصية.وكانت هذه الجهود تُبذل ويُعمل بها وسط العالم،وفي عيشة مع سائر الناس.إنما،إلى جانب هؤلاء نجد أشخاصاً،رجالاً ونساءً  حسبمَا تروي كتب حياة القديسين،عاشوا في الخلوة والبُعد عن الناس، ساعين وراء كمالٍ دقيق ومنتظم،في حياة فقر وعفّة كاملة،وحياة صلاة ومحبة لله لا هوادة فيها.هؤلاء هم النسّاك والمتوحّدون.وقد نسخ هؤلاء كلهم ما جاء في حياة المؤمنين الأولين:" كان جميع المؤمنين معاً, وكان كل شيء مشتركاً بينهم. وكانوا يبيعون أملاكهم وأمتعتهم ويوزعونها على الجميع على حسب حاجة كل واحد, ويلازمون الهيكل كل يوم بنفس واحدة ويكسرون الخبز في البيوت ويتناولون الطعام بابتهاج ونقاوة قلب, مسبحين الله ونائلين حُظوة لدى جميع الشعب..."(أعمال الرسل2/ 44) " فإنه لم يكن فيهم محتاج لأن كل الذين كانوا يملكون ضياعاً أو بيوتاً كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات ويلقونها عند أقدام الرسل, فيوزع لكل واحد على حسب احتياجه...وكان لجمهور المؤمنين قلب واحد ونفس واحدة, ولم يكن أحد يقول عن شيء يملكه أنه خاص به, بل كان لهم كل شيء مشتركاً" (أعمال الرسل 4\32).وكذلك نرى بعض ملامح الحياة الرهبانية في رسالة القديس بولس الأولى إلى الكورنثيين, عندما يُعلن أفضلية العفّة, وضرورة القناعة, وجمال التجرّد عن المال لأجل خدمة القريب.هكذا فهمت الكنيسة الأولى الحياة الرهبانية.

بدء الحياة الرهبانية الجماعية

في القرن الرابع فقط نجد بعض المؤمنين يجتمعون بطريقةٍ ثابتة ليعملوا معاً للبلوغ إلى الكمال الرهباني.فنرى من ذلك أن الحياة الرهبانية الجماعية تعقب حياة النسك والتوحّد.وكان أول من شجّع الحياة الرهبانية الجماعية القديس انطونيوس الكبير, فالنساك المصريون الذين تمركزوا في البرية كانوا يعيشون حياة الوحدة. وقد كانوا يتنافسون في الممارسات النسكية. وان شهرة البعض منهم لم تلبث أن طرقت آذان مسيحيين آخرين متعطّشين للكمال الإنجيلي. وإذ رغب هؤلاء التشبّه بأولئك لحقوا بهم وتتلمذوا لهم. أما انطونيوس فكان الأول في النساك الذين توغّلوا في البرية. فصار له تلاميذ. وطارت شهرته الواسعة في العالم الرهباني في مصر السفلى كما في جميع البلاد المسيحية. نذكّر أن شهرة أنطونيوس كانت مدينة لسيرة حياته التي نشرها القديس أثناسيوس.ا

القديس باخوميوس مؤسس الحياة الرهبانية الجماعية في مصر

غير أن حياة النسك المنعزلة كانت تنطوي على بعض الاضطرابات وعلى كثير من الأخطار كما في الروحيات كذلك في الماديات. إن حياة العزلة التامة ليست عملياً خلاصية إلا لبعض النفوس المحفوظة الخارقة في التقوى. فالناسك في قلايته لم يكن له الفرصة ليمارس فضيلة الطاعة أو أن يتم فرض المحبة نحو القريب. وهي فضيلة جوهرياً إنجيلية. روحٌ فرديّةٌ كانت تهيمن على تلك القلالي حيث كل واحد يدير نفسه كما يرتأي. وهكذا كان هناك متوحدون يمارسون تقشفات جسدية في إغراق غريبٍ فيتعرّضون للمجد الباطل إذ يعتبرون أنفسهم أكمل من السوى. فبهذه الخطة انحرفت الرهبنة عن خط الكمال الذي رسمه لها الرهبان الأولون.إن تنظيم الحياة الرهبانية الجماعية المشتركة يعود إلى القديس باخوميوس فقد سنّ قوانين لتسعة أديار للرهبان ولديرين للراهبات.وكانت كلها في صحراء تيبة في مصر.إنما هذه الحياة الرهبانية التي أسّسها القديس باخوميوس هي خالية من ابتداء, ومن نذور عمومية ومن ركائز الديمومة والثبات.لكن كان للرهبان زيّ خاص. وكانوا يعيشون في العفّة والفقر والطاعة, ويلتزمون بالعمل اليدوي في الصمت وبالصلاة المشتركة صباحاً ومساءً وفي الليل, ويأكلون وقعتين في النهار ويصومون يوماً واحداً في الأسبوع.وهكذا نرى أن رهبان القديس باخوميوس يؤلفون بيوتاً. ولكل بيت رئيس, وللأديار المتجمعة رئيس عام. فقد كانوا يعيشون عيشة جماعية رهبانية, تمتاز بالطاعة.ونجد أن قانون عقوبات كان ينظّم أيضاً حياة أولئك الرهبان.جمع القديس باخوميوس تلاميذه في دير كبير شيّده في ( Tabennesi) تبنّذي ورسم له قوانين مستوحاة من الكتاب المقدس ومن أنظمة ليّنة نسبياً وطافحة بالتسامح. وهكذا بانضمامهم في نفس الجمعية الواحدة التزم جميع الأعضاء في هذه المؤسسة الجديدة أن يعتنقوا القوانين الجديدة ويمارسوا المساواة المطلقة في اللباس والغذاء والرقاد.بالإضافة إلى الحياة في جماعة والمساواة في السلوك أرسى باخوميوس أساساً لكل نسكٍ رهباني الطاعة لمقرراته وللأب الأباتي. كانت سلطته هي الأقوى وما من أمر يتم في الدير بدون إذنه.وهكذا مع باخوميوس وُلدت الحياة النسكية في جماعة وجُهِّزت بسرعة موسّعه بما فيه الكفاية. وكان المؤسس يعتبرها أسمى من حياة العزلة التي كان يشير بها على الرهبان الخطأة كحياة توبة. غير أن الجميع لم يشاطروا باخوميوس في الرأي. وبالرغم من النجاح اللامع لمثاله الأعلى الذي سيتفوّق في المستقبل، فحياة الاستحباس لم تتوقّف عن النمو في جانب الحياة النسكية الجماعية في مصر السفلى كما في مصر العليا.ثم أتى الانبأ (Bgoul) يؤسس أولى جمعياته النسكية في ضواحي (Akhmin). وقد جهّز تلاميذه بقوانين القديس باخوميوس. إنما أقل تسامحاً, إذ انه اعتبر حياة الراهب الباخومياني أكثر رخاوة: لذا فرض على خاصته قساوة أبرز في ممارسات التقشّف.إنّ هذا الإصلاح الذي نشده لم يتحقق فعلياً إلاّ بهمّة ابن أخيه شنودى (Shenouda)
ذكرت بعض المصادر أن الملاك سلّم القديس باخوميوس هذه القوانين:

تسامح كل واحد ليأكل ويشرب حسب قوته. وعلى قدر قوة هؤلاء مما يأكلون توضع في يدهم أعمال متناسبة. وتوضع في يد هؤلاء ممن يأكلون ما صعب وثقل من الأعمال. أما الضعيف والناسك فيُعطى ما سهل من العمل.
ابنِ قلاّية في دائرة الدير, ويسكن كل ثلاثة في قلاّية. ومن جهة الطعام فعلى الجميع أن يذهبوا إلى مكان واحد لطلبها.
وليكن في نومهم غير مستلقين على ظهرهم. بل ليكن لهم كراسي, مائلة إلى الوراء, ثم يضعوا على أجسامهم غطاءً ويناموا جالسين.
يكون لباسهم في الليل من ثياب وأوساطهم مشدودة؛ وفي النهار فليتّشح كل واحد منهم بوشاح من سلوخ الغنم والمعزى مدبوغة، ويأكلون وهم لابسون هذه الثياب. وفي الليل تكون غطاؤهم.
وإذا أرادوا أخذ البشائر المقدّسة( المناولة) في يوم السبت ويوم الأحد, فيجب أن يحلّوا رباطات القفوليون التي عليهم, ويخلعوها ويضعوا على رؤوسهم القفولويون.
ورتّب جماعتهم أربعة وعشرين رتبة, وسمِّ كل رتبة منهم باسم حرف من الحروف الموضوعة لكتابة اليونانية التي أولها الألفا وغمّا. والرئيس يسأل عن كل رتبة باسم الحرف.
ولا تقبل في ديرك أخاً من دير غيرك, لاسيما إذا كان له غير رسمك ( قانونك) واقبل المسافر كضيفٍ.
أدخل الطالب إلى الدير بعد ثلاث سنوات اختبار واجعله في خدمة الدير.
 أما الأكل, فليأكل الإخوة وهم لابسون القفوليون.
كل أخِ يصلي 12 ساعة: ثلاث ساعات صباحاً , وعند النوم ست , وبعد الأكل ثلاث.
وصف بلاديوس ديراً للقديس باخوميوس فقال "انه بالحقيقة مستعمرة زراعية وصناعية نشيطة، منظمة جداً وكتيبة بذاتها. وفيها تتمازج وتتناوب التمارين الروحية مع العمل والشغل, إذ أن الشغل هو عامل مهم وأساس في هذه الحياة ".

القديس باسيليوس مصلح الحياة الرهبانية

من شواطئ النيل انتقلت الحياة الرهبانية المصرية إلى الشرق كله , بالرغم من أن كثيراً من النفوس المأخوذة بالكمال المسيحي, كانت منذ المبادىء الأولى المسيحية تحيا حياة الزهد والعزلة. غير أنه منذ النصف الأول من القرن الرابع ابتدأت تلك النفوس تعيش حياة الرهبنة الحقّة. رجلان, في تلك الحقبة ساعدا على نقل غرسة الرهبنة, القديس خاريطون وليد إيقونيوم, نظم حياة الرهبنة في ضواحي أورشليم, و القديس ايلاريون تلميذ انطونيوس في ضواحي غزة. و في فلسطين كانت الحياة النسكية الجماعية معتبرة كنقطة انطلاق و استعداد إلى حياة في العزلة أفضل. و بالواقع لم يكن يقبل في الصوامع إلاّ الرهبان الذين قضوا سنين عديدة في الدير.

ونقرأ في حياة القديسين العظام أن الحياة الرهبانية ازدهرت جدا في صحارى فلسطين و جبال سوريا وسهولها, وعلى شواطئ الدجلة والفرات في العراق وخصوصا في ضواحي الرها, و في ضواحي أنطاكية وفي إقليم البنطس وكبادوكية. وكانت الأديار في فلسطين خصوصا تتبع النظام الاتحادي حيث الأديار والصوامع تخضع لإدارة مركزية.

وقد حفلت بالعظيم والجليل من الأعمال, إذ أصبحت القفار جناتٍ يسكنها رهبان هدفوا فقط إلى تسبيح الله وعبادته و العيشة في حياة تشبه حياة الملائكة.وكانت بعض الأديار في فلسطين تعج بالمئات من الرهبان, الذين فُصِلوا حسب أجناسهم و بلدانهم,وفي البعض الآخر قُسّم الرهبان حسب عملهم. نقرأ أن الصلاة كانت تقام في بعض الأديار دون انقطاع, ولذلك سميت بأديار الرهبان الذين لا ينامون.ومن أئمّة الحياة الرهبانية في الشرق الآباء العِظام سابا المتقدّس, وأفتيموس و أفرام السرياني. ولايمكننا ذكر كل أولئك النساك و المتوحدين الذين امتازوا بحياة النسك و الكفر بالنفس ومحبة الله. هؤلاء كلهم أسسوا الحياة الرهبانية الجماعية في فلسطين وسوريا.

واستمرت الحياة الرهبانية في هذا النهج حتى قام عظيم من الشرق هو القديس باسيليوس فنظّم من جديد الحياة الرهبانية وأصلحها ووضع لذلك القوانين المطوّلة والمختصرة. و قد تأثر كثيرا بأوسابيوس السيبستاني (Sebaste). قبل القديس باسيليوس ظهرت الرهبنة في آسيا الصغرى. وإنما في القرن الرابع فقط ومع ايستاش قد تمت هذه الحركة و انتشرت في هذا الجزء من الشرق. وأما تأثير تلك الشخصية النسكية بباسيليوس فلا يمكن أن يرقى إليها ريب.

الراهب في نظر باسيليوس,هو قبل أي شيء هو مسيحي حقيقي,انه يبحث عن ممارسة شريعة المحبة المسيحية في مظهريها حب الله و حب القريب, وأن يحيا حياة الإنجيل قانونه الوحيد الأوحد, بالطريقة الأكمل. توصلاً للهدف يشير باسيليوس إلى نظام النسك الجماعي, كصورة وصيغة مثلى لحياة الرهبنة. قال: ألاحظ أن الحياة وسط جماعة عديدة هي مع كثير من الاحترام أفضل من حياة العزلة.إن الحياة بين الجماعة هي أفضل واسطة لممارسة الإنجيل على الوجه الأكمل. و يُعتبر القديس باسيليوس مؤسس الحياة الرهبانية في الشرق و الغرب أيضا. ففي سنة 360 أسس ديراً في قيصرية الجديدة في مقاطعة البنطس. و سنّ قوانين تختلف عن قوانين القديس باخوميوس, فقد رتّب جيداً معالم الحياة المشتركة والحياة النسكية. و هو ينادي بأفضلية الحياة المشتركة على الحياة النسكية و المتوحدة, وهو لا يحبّذ النسك الزائد فالشغل في نظره هو أهم الإماتات, ولذلك حسب قانونه لا يجب الصوم إذا تعارض مع العمل. وقد أمر في قوانينه أيضا بخدمة الآخرين, ولذلك ضمّ إلى أدياره مستشفيات و مستوصفات و مياتم وبيوتاً للضيافة وجعلها تحت إدارة الرهبان أنفسهم, كما أنه أوصى بأن يقبل شبان ليس فقط ليصيروا رهباناً بل ليتربّوا تربية مسيحية صالحة."إن القديس باسيليوس في تخطيطه للحياة الرهبانية أراد بعث روح جديدة فيها, ودفق الإصلاح الضروري في بعض أنظمتها. ولذلك اتّبع نهجاً فلسفياً, متدرجاً استوحاه من تفهّمه لحالة الإنسان ومن معرفته لطرق الحياة الرهبانية المختلفة ومن تعمّقه في درس أساليب الفلسفة اليونانية ليضع خطّة عريضة متكاملة للحياة الرهبانية التي هي أيضاً في نظره تتويج لحياة مسيحية و لرغبة ملحّة عند الإنسان للاتحاد بالله عز و جل. فليست هي طفرة عابرة, وليست هي نداءً عارضاً, بل هي اختيار منطقي،توصل إليها الإنسان بعد أن تفهم حسناً جمال الحياة الرهبانية وعرف ميزاتها الأساسية ورأى سمّوها على حياة الكمال الاعتيادية. إن الراغب في الحياة الرهبانية حسب القديس باسيليوس إنما هو فيلسوف باحث, ومكتشف أصيل لنداء الرب, وليس هو إنسان تعرّض لحماس أو خضع لتأثير حادث أو عامل خارجي."
 
الحياة الرهبانية في الغرب

نقل الحياة الرهبانية إلى الغرب القديس كاسيانوس. فقد كتب: "رسوم و محاضرات " وهو يحوي أصول الحياة الرهبانية مع الإلحاح على ضرورة التبحّر والدرس في العلوم اللاهوتية قصد التبشير والجدال والتعليم.والقديس كاسيانوس استقى كثيرا من القديس باسيليوس الكبير. و قد ترجم قوانينه المطوّلة والمختصرة إلى اللغة اللاتينية. وهذه الترجمة هي التي عرفها القديس بنادكتوس.وفي الغرب بدأت الحياة الرهبانية كما في الشرق حياةً توحدية ونسكية أولا ثم حياة رهبانية حقّة في مجموعات صغيرة نسكية.عندما جاء القديس أثناسيوس الكبير إلى روما سنة 339 منفياً ومعه راهبان, عرّف الغرب على حياة القديس انطونيوس التي كتبها هو نفسه والتي نشرت سنة 380 وعلى قوانين القديس باخوميوس, فأخذت تزدهر الحياة الرهبانية الجماعية منذ ذلك الوقت. وتروي حياة القديس أثناسيوس أن الراهبين اللذين اصطحبهما القديس معه, كان لهما تأثير كبير على أشراف ومؤمني روما, فكثيرون بينهم, أرادوا أن يقتدوا بهما في حياة الرهبنة.بعد ذلك نرى بعض الأديار في روما سنة 382 بإدارة القديس إيرنيموس؛ ثم في أنحاء أخرى من ايطاليا ما بين سنة 384-461 وكانت للجنسين معا. وكل هذه الأديار كانت تتبع قوانين القديس باخوميوس مع التعديلات التي أدخلها القديس كاسيانوس تحت تأثير قوانين القديس باسيليوس.ومن ايطاليا انتقلت الحياة الرهبانية إلى بلاد غاليـــا (Gaule). ويخبر التاريخ أن أول دير ظهر في بلاد غاليا هو دير (Lijuge) الذي أسسه القديس مرتينوس حوالي 360. إنما بعد انتشار كتب القديس كاسيانوس تقرّرت الحياة الرهبانية في دير أسسه هو نفسه. في مرسيليا, ومنه خرج رؤوساء أديار كثيرون عملوا على تثبيت دعائم الحياة الرهبانية و توضيح نظامها الأصيل. ثم أسس القديس مرتينوس نفسه ديراً في نواحي (Marmautier). وتبعه القديس إيلاريون أسقف مدينة تور (Tours) الذي أسس ديراً سنة 360. ثم إن مجمع مدينة أجد (Agde) سنة 506 يطلب لتأسيس الأديار موافقة الأسقف ومجمع مدينة أرل (Arles) سنة 554 يقرّر بأن كل أسقفٍ في أبرشيته له الحق أن يلزم الأديار بقانون معيّن.ومن أوروبا عبر اسبانيا انتقلت الحياة الرهبانية وانتشرت في إفريقيا مع القديس أغوسطينوس.

القديس بنادكتوس مؤسس الحياة الرهبانية في الغرب

أما منظّم الحياة الرهبانية في الغرب, فهو دون منازع القديس بنادكتوس الذي عاش من 480 الى 567. ففي سنة 545 سنَّ قانوناً أخضع له دير كاسّينو (Mont Cassin) و دير سوبياكو (Subiaco) اللذين أسسهما, الأول للرجال والثاني للنساء. ثم شاعت قوانين القديس بنادكتوس بسبب الحماس الديني في انكلترا و فرنسا وغيرها من البلدان. و نراها في عهد القديس البابا غريغوريوس الكبير (590 – 604) إلى عهد شارلمان (608 – 811) تعمّ كل الغرب و تطغى على كل قانون.نلخّص مبادئ الحياة الرهبانية حسب القديس بنادكتوس بما يلي:

الحياة الرهبانية هي مدرسة خدمة الله. وهو لا يريد أن يكون فيها شيء صعب و شاق. و فعلاً هكذا ظهرت الحياة البندكتية بالنسبة إلى الحياة الرهبانية الشرقية.

كان يُهمّ القديس بنادكتوس الارتداد (Conversion) ثم العمل اليدوي و القراءة الروحية (Lectio Divina) ثم الصلاة المشتركة في الخورص (Office) و هي ما يدعوها (Opus Dei).

ثم حتّم استقلال كل ديرٍ برئاسة رئيس دعاة الأباتي (Abbe)  ويجب أن يكون في كل دير كاهن أو كاهنان بالأكثر لخدمة الأسرار.
أهم إصلاح في الأديار البندكتية هو إدخال الحياة الاكليريكية اليها.

ثم كانت أديار القديس بنادكتوس النسائية خاضعة لأخته القديسة سكولستيكا ومستقلة استقلالا تاماً عن أديار الرهبان .

نلخص أفكار القديس بنادكتوس عن الحياة الرهبانية بما يلي: "انه يريد جماعة رهبان يعيشون عيشة مشتركة حتى الممات، في ديرٍ،تابعين لقانون، مبتغين بذلك ارتداداً في الأخلاق، والثبات والطاعة. وبهذا يؤلفون عائلة بقيادة رئيس وأب". صرّح أحد الكتبة في قاموس العمارة المسيحية (صفحة 242) " بأنّ قانون القديس بنادكتوس هو أعظم إنجازٍ تاريخي في القرون الوسطى".