تذكر الأخت ألفونسين
العديد من الرؤى التي وضحت فيها العذراء كيفية حياة
الراهبات ضمن نظام رهباني يعتمد على صلاة الوردية واستمداد
النعم الكثيرة المترتبة على هذه الصلاة " المزمعة أن
تستأصل كل شر وبلية من العالم ".
لذا رأيت من المناسب أن
أذكر القارىء المؤمن في ما يتعلق بهذا الأمر. فمما ورد في
علم النفس يمكن تصنيف الأحلام إلى ثلاثة أنواع:
- الأحلام الرُّؤَى:
وتتسبب عن تأثير الروح القدس على الدماغ. وترشد الإنسان
إلى أمور تعود إلى خيره وخير المجتمع الذي يعيش في وسطه.
- أحلام الانفعالات النفسية: التي تنشأ عن تجارب قاسية أو
انعكاسات لشهوات غريزية مكبوتة.
- الأحلام المزعجة: التي تنتج عن عوامل مرضية وعسر الهضم.
من هذه الأنواع يهمنا
النوع الأول. فجميع الأحلام التي روتها الأم ألفونسين على
مرشدها الجزيل الوقار وصاحب الفضائل العظيمة الأب القانوني
يوسف طنوس يمين، تندرج في باب " أحلام الرؤى ".
وأحلام الرؤى تتميز قبل كل شيء بتأثير بالغ على النفس
وبطابع لا ينسى. وذلك بسبب وضوح الصورة وانسجامها مع واقع
الحوادث، بشكل يجعل من الصعب تمييزها عن الأمور الواقعية
فعلاً. ففيها يتعرف الإنسان على وقائعها بجميع حواسه...
فيبصر الضوء وأشعة الشمس. ويميز الألوان ويسمع الأصوات،
ويلمس الأجسام، ويذوق ويفرح ويغضب ويبكي.
وحلم الرؤيا له موضوع واضح
ووقائع متماسكة مترابطة وهدف واحد معين. هدف غريب لم يسبق
له أن طرأ على بال النائم بشكل من الأشكال.
وتثبت الكتب المقدسة أن
هذه الأحلام كانت وما تزال سبيل الله المفضل لمخاطبة
الإنسان. وتأتي مخاطبة الله للإنسان في مناسبات قليلة،
وتكون إما لصالحه الخاص وإما لغاية نبوية تتعلق بمستقبل
أمة أو مجموعة شعوب أو بالعالم أجمع. لكن هنا بصدد الأحلام
المتعلقة بمصلحة الإنسان. وقد تنزل على إحدى النفوس
المختارة من عند الله تعالى لتنير الأذهان أو ترشد القلوب
إلى ما فيه الخير والسعادة.
هناك العديد من أحلام
الرؤى التي تتابعت على الأخت ألفونسين. وكلها تدور حول
المهمة التي اختارتها لها العذراء.
بعد أن انتهى زمن الظهورات لدى الأخت ألفونسين جعلتها
العذراء تعيش بالرؤى حياة راهبة الوردية قبل قيام الوردية.
ولا يتسع المجال هنا لسرد هذه الرؤى جميعها. ولكن نكتفي
بواحد من أحلام الرؤى التي رأتها وهي تصلي. فقد رأت ديراً
مستديراً على شكل مسبحة وسيدة الوردية على سطحه وتحيط
بالدير خمس عشرة نافذة، وعلى كل نافذة راهبة وردية تحمل
اسم سر من أسرار المسبحة الخمسة عشر. وكان اسم الأخت ماري
ألفونسين على النافذة العاشرة. فاقترن اسمها بسر موت
المسيح وهو السر العاشر من أسرار الوردية.
خافت الأخت ألفونسين مما
رأت. ونظرت إلى المستقبل بفزع وهلع. لكن خوفها تلاشى عندما
تذكرت أن الله يرسل مع الداءِ الدواءَ، ومع الدمعة العزاءَ،
ومع الصليب القدرة على رفعه. وبعد تلك الرؤيا أفعمتها
العذراء نوراً وسرورا.
وفي رؤية ثانية عاشت الأخت
ألفونسين الحياة اليومية في دير الوردية. ومن حسن حظها أن
المرشدة التي أدخلتها الدير ورافقتها طيلة الزيارة كانت
العذراء بذاتها. وشاهدت خلالها كل عجيب مستحب. كانت راهبات
الدير سعيدات كل السعادة ويقسمن أوقاتهن بين الصلاة
والتأمل والأعمال اليومية وعلى رأس القائمة التعليم الديني
للطالبات.
وتذكرت من الزيارة أكثر ما
تذكرت اعتكاف الراهبات على صلاة المسبحة فرادى وجماعات.
فكن يتلون كل يوم معاً أسرار الفرح والحزن والمجد. كما
طلبت العذراء أن تتلى الوردية الكاملة بالتناوب، بحيث
تتناوب الراهبات ليلآ ونهارا على تلاوة المسبحة. الوردية،
كل في دورها المحدد خاشعة تصلي مسبحتها. وكتبت الأخت ماري
ألفونسين تقول: (( كنت كأني أسكن الدير منذ زمن طويل.
ورأيت مذبحاً مزينا. وراهبة ساجدة أمامه تتلو المسبحة ثم
تأتي غيرها وتفعل فعلها بالتناوب ليل نهار. وكانت أمي
البتول تكرر القول: " من الضروري أن يكون في الدير وردية
دائمة، تتلوها الراهبات والبنات. ومن ناحية أخرى كانت
الراهبات يصمن الأربعاء والسبت صياما خاصاً إكراما للوردية
".
مرت الأيام وكان على الأخت
ألفونسين تلبية أوامر العذراء. وكم كان صعباً عليها
الانفصال عن جمعيتها الرهبانية ومكاشفة رؤسائها بالمشروع
الجديد لجهلهم ظهورات العذراء. فقد كانت تتوقع من رؤسائها
أن يتهموها بالخيانة والفرار من الخدمة.
وكان رد فعلها أنها طلبت
من العذراء أن تعين لها مرشداً حكيماً ومسموع الكلمة تنقل
إليه الرسالة فيساندها في تنفيذ المشروع: ففي إحدى الرؤى
وبينما كانت تصلي وتطلب مرشدا كفواً شاهدت الأ ب يوسف طنوس
وعلى رأسه إكليل مرصع بالنجوم وسمعت هاتفاً داخليا يقول
لها بأنه هو المرشد الذي اختارته لها السماء.
|