HOME

 

 

زمن الصوم الكبير

 
 

 


تقترحُ علينا الكنيسة الصومَ، من ضمن ممارساتِ التوبة الأخرى، وبخاصّةٍ في زمن الصوم الكبير. ويقتضي الصومُ زهدًا معيّنًا في تناول الطعام يقتصرُ على حاجات الجسد الأساسيّة. إننا نتكلّمُ عن نوعٍ تقليديّ من أنواع التوبة لم يفقد لغاية يومِنا هذا دلالتَه قط، وبالتالي ينبغي علينا إعادة اكتشافِه، لا سيّما في هذه البقعة من العالم وفي هذه الأماكن حيث لا يفيضُ الطعامُ وحسب، بل نصادفُ في بعض الأحيان أمراضًا ناجمة عن فرط التغذية.

يبرزُ بالتأكيد اختلافٌ كبير ما بين الصوم المُفضي إلى التوبة والحميات الغذائيّة العلاجيّة. ولكن، يمكن أن يرى المرءُ في الصوم علاجًا للنفس؛ فإذا تمّت ممارسة الصوم كعلامةٍ لتوبة الخاطئ، فإنّها تسهّلُ على نفوسنا مهمّة الإصغاء إلى صوت الله. إنّنا، بالصوم، نشدّدُ أنفسَنا مجدّدًا بجواب يسوع لإبليس الذي جرّبه بعد انقضاء أربعين يومًا من الصوم في البريّة: "ما بالخبز وحدَه يحيا الإنسانُ، بل بكلِّ كلمةٍ تخرجُ من فم الله" (متى4: 4). أمّا في أيامنا هذه، فيصعبُ علينا فهمُ هذا الكلام الإنجيليّ، وبخاصّةٍ في المجتمعات الهانئة حيث يقوم مجتمعُ الاستهلاك باختلاق احتياجاتٍ جديدة باستمرار بدلاً من الاكتفاء بإشباع الاحتياجات القائمة، ممّا يُعزّز ديناميّة الإفراط... يهدفُ الصومُ القائمُ على التوبة بوجه التحديد، ومن ضمن دلالاته الأخرى، إلى مساعدتنا في الالتقاء بأعماقنا وسبر باطننا.

وينسحبُ الاعتدالُ في تناول الطعام على أمور أخرى غير أساسيّة، فيشكّلُ سندًا عظيمًا للحياة الروحيّة. وما الزهدُ والخشوعُ والصلاة سوى ممارساتٍ مترابطة. ويمكننا أيضًا أن نتّبعَ مبدأ الاعتدال هذا في استخدام وسائل التواصل الجماهيريّ التي تقدّمُ منافعَ لا جدلَ فيها، على ألاّ تصبحَ "سيّدة" على حياتنا. فكم من الأُسَر باتَ فيها التلفازُ بديلاً عن الحوار بين الأفراد، عوَضَ أن يكون مسهّلاً له! فلا ضيرَ من "الصوم" في هذا الإطار، سواءَ لجهةِ التمكّن من تخصيص وقتٍ أطولَ للتأمّل والصلاة، أو لجهةِ تعزيز العلاقاتِ الإنسانيّة وتمتينها.