Home

 

روحانيّة الطوباويّة ماري ألفونسين

 

تُشبه الروحانيّة المسيحيّة الماء الذي يحفظ العشب دائم الإخضرار والنموّ. وبالرّغم من أنّ هذا الماء لا يظهر في العشب، إلاّ أنّه لا يمكن الإستغناء عنه، لأنّه إذا نفد أصبح العشب يابسًا. وفي حين نرى جمال العشب واخضراره، تبقى الدعوة موجّهة إلينا ألاّ ننسى ذاك الماء الذي فيه وبه الحياة والجمال. ولكي نفهم روحانيّة الطوباويّة ماري ألفونسين، علينا أوّلاً أن نعرف أنّ الروحانيّة المسيحيّة، كما حدّدها الكُتّاب الروحيّون، هي: إتّحاد بإرادة الآب، وحياة بالروح القدس، واقتداء بالمسيح يسوع واتّباع له؛ أو كما نقول كلّنا عادةً هي الحياة بالنعمة.

تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الروحانيّة إنّما هي موسومة بأصلها العماديّ، لأنّنا بالعماد "دُفنّا مع المسيح بالمعموديّة وشاركناه في موته، حتّى كما أقامه الآب بقدرته المجيدة من بين الأموات، نسلك نحن أيضًا في حياةٍ جديدة" (رو 6/4). لذلك، أصبحت دعوة المسيحيّ عبر التاريخ تكمن في الخروج من أنانيّته ولبسه للمسيح، لكي يحيا من أجل الآخرين. وبهذا المعنى وفي داخل الروحانيّة المسيحيّة، يمكن وجود روحانيّات متنوّعة لا تختلف جوهريًّا بعضها عن بعض، لأنّ هويّتها واحدة وينبوعها واحد وهو الروح القدس، وهدفها الدائم اتّباع يسوع المسيح من أجل مجد الآب.

يعلّمنا يسوع في الكتاب المقدّس، وتحديدًا في إنجيل يوحنّا، أنّ هذا الماء (أي الروح القدس) لا نستطيع إستخراجه من ذواتنا، فنسمعه يقول للسامريّة: "لو كنتِ تعرفين عطيّة الله، ومن هو هذا الذي يقول لكِ: أعطيني لأشرب، لكنتِ أنتِ تسألينه، ولكان هو يعطيكِ الماء الحيّ ... كلّ من يشرب من هذا الماء يعطش، لكنّ الماء الذي أعطيه أنا من يشرب منه فلا يعطش أبدًا، لأنّه يصير فيه ينبوع ماء يجري للحياة الأبديّة" (يو 4/10-14).

من هذا الماء استقت الأمّ ماري ألفونسين، فتفجّر فيها ينبوع ماءٍ حيّ قادر أن يسقي الكنيسة وأولادها في كلّ مكان وزمان.
هذا الماء الإلهيّ الذي يُدعى الروح القدس، تفجّر من عمق الثالوث الأقدس، ليمنح هذه النفس القدّيسة روحانيّة ثالوثيّة ذات طابع مريميّ مميّز.


إلتماس وجه الآب
إنّ روحانيّة الأمّ ماري تجلّت بالدرجة الأولى في علاقتها مع الله الآب، الذي هو المرجع الوحيد والقلب الرئيسيّ لاختبارها المسيحيّ. فهي أمامه تختبر حبّه أوّلاً، هذا الحبّ الذي أوجدها بالخلق وخلّصها بفداء ابنه الوحيد، وحرّرها من كلّ العبوديّات والشرور بنعمة روحه القدّوس... هذا الحبّ الذي أراد أن يشركها بمحبّته وسعادته إلى الأبد.

فكلّ روحانيّتها إنطلقت من هذا الفعل الأساسيّ، محبّة الآب المجّانيّة، تلك المحبّة التي أخذت المبادرة، وبحثت من خلال النعمة عن هذه النفس، فقابلتها إرادة هذه النفس الجيّدة بالإيجاب من خلال عيش الإيمان ببطولة، وكذلك الرجاء والمحبّة. وقد كانت لها "النور والقوّة في حياتها، والسند في مسيرة القداسة" .


وإن سأل سائل: لماذا أصبحت هذه المحبّة نورًا وقوّة في حياتها، فنجيب: إنّ الأمّ ماري ألفونسين من خلال إيمانها، إستطاعت أن تتجاوب مع الله وتطلبه، لأنّ الطريق إلى الله والبحث عنه هو طريق الإيمان. هذا الإيمان وهذا البحث يصبحان طريق اللقاء به، لأنّه بالإيمان نجد الله على قدر ما نبحث عنه.

والطوباويّة ماري ألفونسين التي"كان حبّها لله نبع سعادتها الداخليّة وسبب سكينتها الخارجيّة، وقوّتها في المحبّة، وصبرها في العذاب، وسبب عطفها على الجميع، وسبب ثباتها في خدمة القريب" ، لا شكّ أنّها ردّدت من دون ملل كلمات صاحب المزامير:"وجهكَ يا ربّ ألتمِس"(مز27/8). هذا الوجه الذي تجلّى في شخص يسوع إبن الله المتجسّد على الأرض ذاتها، التي هي وُلدت فيها وعاشت حياتها كلّها.


على خطى الإبن
في هذه الأماكن المقدّسة، سارت الطوباويّة ماري ألفونسين على خُطى المُعلِّم الإلهيّ يسوع. واتّباعها له لم يكن فقط من المهد إلى الجلجلة ومن كنيسة القيامة إلى جبل صهيون، إنّما كان إتّباعًا حقيقيًّا لمن قال: "إتبعني أنت"(يو21/22)، لأنّني"أنا هو الطريق والحقّ والحياة" (يو14/6).

هذه الطوباويّة عرفت يسوع وأحبّته. تركت كلّ شيء وتبعته. فصارت حياتها تنمو على شبه حياته بين الناصرة وأورشليم، بين جبل الزيتون وفرح دخول أورشليم، بين الصليب والقيامة. كلّ هذا لأنّها عرفت كيف تتجرّد "عن ذاتها، وتعتنق الإنجيل المقدّس، وتأخذ المسيح مثالاً لها من خلال خدمتها للنفوس وبناء ملكوت الله، وفي قبولها حمل الصليب اليوميّ والتجرّد والفقر" . لم تكن الأمّ ماري ألفونسين تزور الأماكن المقدّسة كحاجةٍ عابرة. ولم تكن تدخل الكنائس إلاّ لتستعيد في ذاكرتها وقلبها كلام الإنجيل المقدّس الذي قال فيه الربّ:"كما أحبّني أبي هكذا أنا أحببتكم"(يو15/9)، وتشارك في الذبيحة الإلهيّة التي فيها ترجمة لهذه المحبّة. في هذه المرحلة عاشت الطوباويّة خبرة صوفيّة باتحادها بالقربان الأقدس، وقد سمح لها الربّ أن تكتشف حضوره بشكل جليّ، فنسمعها تقول في كتاباتها:"فكلّ قدّاس أحضره وفي وقت زياح القربان، أنظر نوراً وشعاعاً يتوصّل لحدّ قلبي وبه أرى ربّي وإلهي يسوع المسيح كإنسان وإله، ما لصفاته تفسير، منير في النور حلو لطيف، وما أجد صورة تشبهه، ومعه أمّي الحنونة..." .

إنّ حبّ الطوباويّة ماري ألفونسين نحو يسوع القربان تجلّى في أبهى صورة يوم عيد الغطاس سنة 1876 في كنيسة مهد المخلّص. هناك شاركت، على حسب قولها، في عشرين قدّاساً بوعي كامل لم تحصل عليه أبداً. وتتابع قائلة:"كنت أرى الكاهن والمذبح كأنّه مجلّل بالنور. وقد اقتربت إليّ كلّ هذه الأنوار وتتلاشى فيّ. حينئذ قد صرت منوّرة بكليّتي وقد نظرت ذاتي لمّيعة (مضيئة) وكنت خائفة أن أحداً ينظر فيّ هذا. وحسّيت فيّ شيئاً حلواً مفرحاً غير اعتياديّ، وكنت أخفي ذلك. وبعد صرت أرى فيّ هذه الأنوار بعد المناولة اليوميّة..." .

هذا الحبّ الإلهيّ المتجلّي في حضور يسوع الدائم معنا في سرّ المحبّة، في القربان الأقدس، دفع بالطوباويّة ماري ألفونسين لأن تشتهي كسر ذاتها وإخلاءها حبّاً بيسوع، لا بل أكثر من ذلك، أن تحتمل كلّ الإضطهادات والتوبيخات بفرح إكراماً له .
على خُطى يسوع سارت خطوةً خطوة وهي تُردّد:"لم آتِ إلاّ لأعمل بمشيئتك يا الله" (عب10/5). ولكن كيف كان باستطاعتها أن تُردّد كلام الإبن الوحيد لو لم تكُن مُنقادة بالروح القدس؟

الإنقياد بالروح القدس
يقول القدّيس بولس:"الذين يقتادون بروح الله هم أبناء الله"(رو8/14). نعم هذا الروح القدس عينه الذي هو الماء الحقيقيّ، سار في عروقها منذ قبولها سرّ العماد والتثبيت حتى نفَسَها الأخير. هذا الروح الذي زرع فيها الفضائل الإلهيّة التي عاشتها ببطولة خارقة، وارتفعت من خلالها إلى درجة المذبح. هذه الفضائل كانت بالنسبة لها الطريق المؤدّي لمعرفة مشروع الله على حياتها. وقد اكتشفت أن لا حياة لحياتها إلاّ بالتكرّس الرهبانيّ، فنسمعها تقول في وصيّتها الأخيرة:"إنّي أموت مسيحيّة وراهبة ورديّة حقيقيّة" . فالروح الذي حلّ فيها واستراح، زيّن حياتها بفضائل القداسة المُتعدّدة، نذكر منها:

الصمت: إنّ الفضيلة الأولى التي تحلّت بها هذه الراهبة الطوباويّة كانت الصمت. وهذا ليس بغريب، لأنّها هي إبنة روحيّة للقدّيس يوسف الذي تدعوه الكنيسة المارونيّة في ليتورجيّتها "الصمت"، وقد انضمت إلى رهبانيّته ردحاً من الزمن.
ومنه تعلّمت أن تعيش الصمت التأمّليّ لحظة بعد لحظة في الحضور الإلهيّ، بين يسوع ومريم أمّه البتول الطاهرة سلطانة الورديّة المقدّسة.
في هذا الصمت، أمام كلّ ما كان يحدث معها من انخطافات ورؤى وأحلام، كانت تسمع همسات الإله يُكلّمها "بأنّاتٍ لا توصف"(رو8/26)، ويجعلها تندهش بما يُحقّقه الله من أجل خلاص البشر. فأقرب الناس إليها أختها في الدم وفي الرهبنة الأمّ حنّة التي دامت رئاستها للرهبانيّة الناشئة واحدة وعشرين سنة، والتي بقيت ملازمة لها ولم تفارقها وهي على فراش الموت، لم تعرف بحقيقة أمرها، إلاّ بعد وفاتها، يوم حملت الدفترين المكتوبين بخطّ يدها إلى البطريرك برلسينا، حسب رغبة أختها ألفونسين، وكم كانت المفاجأة كبيرة عندما عرفت أنّها مدينة بدعوتها الرهبانيّة إلى صلاة أختها، وكم من النعم التي لم تحصَ ولم تُعدّ أعطيت لرهبانيّة الورديّة باستحقاقات صمتها. إنّ معظم الذين درسوا حياة الطوباويّة ماري ألفونسين يشيرون إلى ما تميّزت به شخصيّتها الروحيّة بقولهم:"الهدوء في طبعها، والإتّزان الداخليّ، ورجاحة العقل والرصانة، بالإضافة إلى صفاء النفس والسلام الذي تتسّم به نفسيّتها بالرغم ممّا انتابها من صعوبات ومحن وشدائد معنويّة... تألّمت بصمت، فقدّس الصمت ألمها" .
التواضع: إنّ فضيلة التواضع التي عاشتها الأمّ ماري ألفونسين بشكل ممتاز، لم تكن في مناسبات أو محطّات معيّنة، إنّما في جميع مراحل وظروف حياتها. هذه الفضيلة الضروريّة لعيش القداسة، تحلّت بها العذراء مريم أمّها السماويّة عندما أعلمها الملاك بأنّها ستكون أمّ إبن العليّ فأجابته: "أنا أمة الربّ فليكن لي حسب قولك"(لو1/38). وإن كان مَثلنا اللبنانيّ يقول: "البنت بتطلع لإمّها"، فهل كان ممكنًا أن تكون الطوباويّة ماري ألفونسين إبنة العذراء المختارة غير متواضعة؟ وهل كان ممكنًا أن تنسى فضل العذراء عليها إذ قالت ذات يوم:"فضل أمّي عليّ أنّها زرعت فيّ الفضائل وأعطتني أن أمارسها بدون صعوبة"؟

إنّ الحكمة الإلهيّة شاءت أن ترسّخ في نفس الأمّ ماري ألفونسن جذور التواضع، حتّى إنّنا نسمعها تقول للعذراء في السادس من كانون الثاني سنة 1874 "يا أمّي: ما لك تتساهلين وتزورينني؟ هل نسيت أنّي خاطئة عظيمة ارتكبت آلافاً من الآثام"؟ . وبعد سنة بالتّمام نراها لا تزال تحت تأثير نعمة التواضع التي حصلت عليها، فنسمعها تقول:"أخذت ألتمس منها(العذراء) نعمة فعّالة تجعلني أقتدي بها فيما تبقّى لي من حياتي. لأنّي قضيت عمري بالخطايا عوضاً من الفضائل. وتلك مرّة جديدة ما برحت أشعر بها وأقول آسفة:"آهٍ يا ليتني أبدأ حياتي منذ اليوم! إذا لكنت أعيش عيشة أسمى ممّا فعلت حتى الآن" . ولا يمكننا أن نتجاهل ما قالته للعذراء مريم عندما طلبت إليها أن تؤسّس رهبانيّة الورديّة، وألحّت عليها بذلك، فأجابتها بتواضع كبير:"إنّي حقيرة وفقيرة" ، "أرجوكِ أن تقبلي أختي حنّة وأن تكلي إليها هذه الخدمة..." . وهل من الممكن أن لا نذكر تلك الحادثة التي من خلالها نكتشف مدى التواضع الذي تحلّت به يوم وبّخها أحد الكهنة أمام الحاضرين، ما جعل مرافقتها تنتفض متسائلة عن صمتها ووداعتها، فأجابتها:"ألا تعلمين أنّ علينا أن نشتري الجنّة بالتواضع؟" .

الحياة الخفيّة: ممّا لا شكّ فيه أنّ الطوباويّة ماري ألفونسين قرأت الكتاب المقدّس، وعرفت أنّنا نحيا بالله ونتحرّك كما يقول سفر أعمال الرسل (17/28). ولذلك ومن خلال هذا الوعي، عاشت في الله حياة خفيّة، حتى أنّ جسدها ما عاد يهمّها فنسمعها تقول: "كنتُ أذوب شوقًاً إلى تذليل جسدي من أجل المسيح الذي مات من أجلي" . عيشها في حياةٍ خفيّةٍ في الله دفعها لتقابل الحبّ بالحبّ، والتضحية بالتضحية، والعطاء بالعطاء. ولذلك، نراها تُقدِّم ذاتها ذبيحة، أو كما تحبّ هي أن تدعوها: ذبيحة الورديّة من أجل مجد الله وخلاص النفوس وخير الكنيسة المقدّسة.
فإن كان الحبّ يجعل الحبيب شبيهًا بحبيبه، فهل كان يُعقل أن تقف أمام مذبح الجلجلة وتتأمّل في الحبيب الإلهيّ وبكلّ ما حقّقه من أجل خلاصنا وحبًّا بنا، ولا تُقدِّم نفسها ذبيحة مرضيّة للربّ؟ منذ نذورها كان لها علاقة بالجلجلة: فحبيبها الإلهيّ هناك عُلِّق على خشبة؛ وأبوها الروحيّ، أبونا يوسف، رُسم كاهنًا على هذا المذبح. فهل من الممكن أن لا تكون شبيهة بحبيبها وأبيها الروحيّ؟
إنّها على مثال معلّمها الإلهيّ يسوع المسيح، حملت صليبها بفرحٍ وأمانة، وكانت نوعًا ما مرذولة بسبب الحَوَل في عينيها، مضطهدة من معلّمة الإبتداء، ومُهانة بسبب تركها للرهبانيّة التي انتَمَت إليها أوّلاً (رهبانيّة مار يوسف). ولكن، مع هذا كلّه، كانت تحيا برفقة العذراء التي أحبّتها وشغفت بحبّها، وبرفقة يسوع الحاضر في سرّ القربان الأقدس الذي هامت بمحبّته، وسارت بحسب إلهامات الروح القدس الذي ساعدها لتعيش في "الفطنة والعدل والقناعة والقوّة الداخليّة والإتّكال الدائم على العناية الربّانيّة" .


الوردة المريميّة
أمّا فيما يخصّ ملامحها المريميّة، فهي ناتجة عن اختيار العذراء مريم لها؛ منذ طفولتها وتنشئتها في بيتها الوالديّ على حبّ البتول القدّيسة وإكرامها وطلب شفاعتها في كل الظروف، وصولاً الى دعوتها لتهتمّ "ببنات أرضها" من خلال تأسيس رهبانيّة تحمل إسم الورديّة المقدّسة.

إنّ من يقرأ كتابات الطوباويّة، يعرف حقّ المعرفة كم من الحبّ غزا قلبها نحو الأمّ البتول! وكم من الفرح الروحيّ رافق حياتها من خلال لقائها بالعذراء مريم وابنها الإلهيّ!

نسمعها تقول:"إنّ جودة أمّي مريم لا حدّ لها وما يوجد ألسنة تشرحها ولا كتب تسع تفسيرها ولا صورة تشبه جمالها" فأقول:"طوبى لمن هو متمتّع بها سرمداً" .

هذه العذراء التي كانت تكشف لها يوماً بعد يوم عن محبّتها حتى أنّها قالت ذات يوم:"وإذا بشعاع نور ينبثق من أمّي البتول وينفذ فيّ فغدوت جريحة محبّتها. وسكبت دموعاً غزاراً وتأجّج قلبي بنيران المحبّة لله والبتول" .

وفيما كانت هذه الطوباويّة توجّه عواطف قلبها نحو العذراء القدّيسة، كانت مريم تزداد لمعاناً وأشّعة واقتراباً منها... حينها نسمعها تقول:"سكبت قلبي بالمحبّة لها. وتمتّعت برؤياها الحلوة العجيبة في ذلك الوقت. هي وحدها تعرف العواطف التي كانت في قلبي نحوها، والمحبّة الملتهبة بي من جرّاء كرمها ... وصارت حالتي حالة المحبّة التي لا يمكنني شرحها" .

إنّ الطوباويّة ماري ألفونسين كانت حقًّا مريميّة، وابنة حقيقيّة لمريم العذراء القدّيسة التي سهرت عليها وعلى تأسيس الجمعيّة الرهبانيّة الجديدة، وكانت لها بمثابة الأمّ والمعلّمة والمثال الأعلى في الحياة الروحيّة والرسوليّة.

ومن أبرز ما يميّز روحانيّتها المريميّة صلاة الورديّة المقدّسة، التي اعتبرتها الكنيسة بمثابة اختصار للإنجيل المقدّس، والتي من خلالها يرى المؤمن بعيني مريم ويحبّ بقلبها ويتأمّل بعقلها في محبّة الربّ وأسراره الخلاصيّة.

هذه الأمّ السماويّة التي رافقت الطوباويّة في مسيرة الإيمان والرجاء والمحبّة التي عاشتها كانت بمثابة القمر في ليلها والقوّة في ضعفها والماء في عطشها، فما إن كانت تطلب نجدتها وهي تبكي على قدميها قائلة:"أمي دبريني، كيف وماذا يجب أن أعمل؟"، حتّى تظهر معونتها؛ فنحن نسمع الطوباويّة تقول:"كانت أمّي تسرع لمعونتي، وتظهر بواسطة عدة أنوار ساطعة تتلألأ ببهاء وجمال ما له تفسير، بيدها الورديّة، وموجودة بين أنوار أسرارها، وتلهمني أنّ الورديّة سلاحي وقوتي وكنزي مع الله" .

ممّا لا شكَّ فيه أنّ النعمة التي حصلت عليها الطوباويّة ماري ألفونسين عرفت أن تستثمرها، فأتت بثمارٍ وافرة، ليس فقط في الأراضي المقدّسة إنّما في الشرق الأوسط كلّه.

فلنطلُب بشفاعتها السلام لشعوبنا، والأمان لأرضنا، والإيمان لكلّ واحدٍ منّا، تمجيدًا لله، وإكرامًا للعذراء مريم والطوباويّة ماري ألفونسين.
                                                             الأب فادي بو شبل المريميّ
                                                       المرشد العام للعمل الرعويّ الجامعيّ في لبنان