English

سجل الزوار

 اضفنا للمفضلة

اتصلوا بنا

الرئيسية

 

 

يا راعي إِسرائيلَ، كُن سَمعيا يا مَن عَلى ٱلكاروبيمَ ٱستَوى أَيقِظ جَبَروتَكَ وَهَلُمَّ لِخَلاصِنا يا إِلَهَ ٱلقُوّاتِ، عُد إِلَينا وَتَطَلَّع مِنَ ٱلسَّماواتِ مُتبَيِّنا وَتَعَهَّد هَذِهِ ٱلكَرمَة وَٱحفَظ ٱلنَّبتَ ٱلَّذي غَرَسَتهُ يَمينُكَ وَٱلغُصنَ ٱلَّذي جَعَلتَهُ يَنمو

 
خطيئة الانسان وغفران الله
 
     
 

مقدمة:
إمرأة زانية أُمسكت بذات الفعل... وليس رجلٌ زانٍ. لماذا؟ أكانت وحدها في ذات الفعل؟ أم أنّ آدم لا يزال يتهرّب من مسؤوليّته؟ أَأُمسكت وحدها في ذات الفعل؟ أم أنّ من أمسكوها لهم الحقّ في إصدار الحكم عليها وتبرير من شاركها الفعلَ الخطأ؟...عمومًا، ليس المطلوب هنا مساواة المرأة والرجل في الخطيئة، بل موضوعُنا شخصُ يسوع المسيح، مشرِّعَ باب الرجاء وابنُ مَنْ خَلَقهما إنسانًا، "رجلاً وامرأة خلقهما".
المشهد
امام هذا الحدث العجيب نرى شخص يسوع المسيح فاتحاً باب الرجاء أمام المرأة وحولها الاشخاص حاملين الحجارة مستعدّين لأن يتمّموا الشريعة فيرجمونها. يلتفّ هؤلاء الناس حولها والبعض منهم يقدّمها ليسوع علّه يصطاده بكلمة أو موقف يحرجه به. ولكن، من يُحرِجُ الرب ّ الحنون، الرؤوف، الطويل الأناة؟ وهل يُحرج الطبيب الذي بدل أن يذهب المرضى إليه،أتى هو إليهم وتعشّى معهم؟ أيُحرَجُ رجاءُ كلّ نفسٍ خاطئة ونورُ السالكين في الظلام؟

كتبة وفرّيسيّون والمواجهة الصعبة:
أتى الكتبة والفرّيسيّون الى يسوع بامرأة أمسكت في ذات الفعل. جاؤوا بها زانيةً يطلبون رجمها متوقعين من يسوع أن يمسك معهم حجراَ ليرجمها ولكنهم وجدوا فيه الرأفة واللطف والحنان، خصوصًا تجاه الخطأة والمحزونين ومنكسري القلوب.
اظهر يسوع في هذا الموقف ايضاً أنه محرِّرُ النفس من عبودية الخطيئة والذلّ والهوان. فقد حرَر المرأة من عبوديّتها لإبليس وزرع فيها روحَ الحب والفرح والانتصار وصارت قصةُ هذه المرأة، قصّةَ كل نفس أُغلق في وجهها بابُ الحبِّ والرحمةِ والحنان، ارتمت عند اقدام يسوع عريسِ الحبِّ الإلهيّ لتجدَ عنده التنعُّم بسماع صوته العذب، يداوي، ثمّ يشدِّد، فيُطلِق.

إمرأةٌ زانيةٌ واعتراف الشجاعة:
أنا امرأة كأي امرأةٍ أخرى تعيش في هذا العالم المليء بالمتناقضات. جارت عليّ الأيّام وضاقت بي المعيشة. لا أعني ضيقًا ماديًّا فما دفعني إلى مثل هذا العمل لم يكن فقط احتياجي إلى المادّة وما ينتج عنها، وكي أكون أكثرصراحة فهذه ليست المشكلة بحدّ ذاتها إنّما الجزء الرئيس من المشكلة أنّني نشأت في بيت فقد انتماءه إلى الشريعة ومعها تناسى عبادة الإله الواحد، فتفكّكت عائلتي وصار كلٌّ منّا يبحث عن مصلحته فشعرت بالوحدة والانعزال ونظرت الى ذاتي ورأيت فيها جسدًا جميلاً يميل إليه قلب الرجل وعينين جميلتين اجذب بهما الناسَ إلى... هلاكهم وهلاكي. آه كم انحطّتْ حالتي النفسيّة، كم غرقتُ في وُحولي. وبقدر ما اشمأزّت نفسي من نفسي، بقدر ما انجرّيتُ وراء ما كان يقزّزني فارتميت في كلّ حضنٍ واستبدلت دفء عائلتي بدفءٍ كاذبٍ كان يجتثّ منّي ما تبقّى فيّ من دفءٍ ليتركني بعده وحيدةً منكسرةً ناقمةً... على نفسي أوّلاً، فأهرب من خيبتي راكضةً نحوها عَلَّ ألمي يُفقدني أيّ شعورٍ بالألمِ. وكم كنت خاطئة!! كم كنت خاطئة!! وكم كان فطنًا عدوّ الخير ذاك الذي رافقني في وحدتي!

ثمّ، أتى اليوم واُمسكوني في ذات الفعل وتركوا من شاركني فعلتي. لمَ لا و"المراة التي جعلتها معي هي من أغوتني...". ويحك يا آدم، ألم تنضج بعد؟

ولكي يثبِتَ الجمهور صحة ما يدّعيه عليّ دفعني بالأيادي والأرجل والصوت العالي القاضي بحكم الناموس يريدون أن يطبّقوا ما نصّ عليه من عقابٍ في مثل حالتي. ببرودة أعصابٍ قرّروا رجمي حتّى الموت. لم يرفَّ جفنهم لمجرّد التفكير بمنظر الدمّ يشلي من جسمي، فجسمي هذا قد اتّسخ وتنجّس بخطيئته. حقيقيّةٌ هي هذه النجاسة ولكن، أما من أحدٍ فكّر لحظةُ أنّ قلبَ إنسانٍ خفق بين هذه الضلوع؟ أما شعر أحدٌ بالوجع الذي سيُحدثه كلّ حجرٍ يضرب هذا الإنسان فيمزّقه ويقتلع منه جزءًا؟ أعذروني عن قساوة ما أصف، لكنّ وصفه أخفُّ وطأة من حدوثه. ويا ليت الإنسان يتذكّر من هو بدل أن يلبسَ ثوبَ الذئبِ المفترسِ المترقّبِ لفريسته.

جاؤوا بي الى يسوع وهم ينوون الإيقاع به في فخّ التعدّي على الشريعة. وبينما نسير في الطريق باتجاهه خفت وارتبكت لملاقاته بسبب ما قاله بعض الكتبة والفريسيّين عنه بأنه رجل متكبِّرٌ لا يهمّه احد، يتخطّى حتّى الناموس، وازداد خوفي وارتباكي هذان مع الاقتراب منه. ولكن، ...أوّاه!!! من يصف حالتي في ذلك الوقت؟ من يقدّر ما تضارب فيّ من مشاعر؟ من يستطيع أن يصوّر اللجة الحالكة التي اكتنفتني؟

لقد كنت مستعبدة مكبلة بالسلاسل والقيود لسنوات عديدة أدّت بي إلى حياة الخطيئة ومعها الشعور الشديد بالحاجة إلى الحبّ. كنت أشتري رضا الناس وقبولَهم لي بجسدي. كم كان الثمن باهظًا! وكم تبيّن ما اشتريت بخسًا! بكرامتي، ابتعت هواني وبطهارتي اقتنيت النجاسة. استبدلت سلامي بعواصف الشهوات وعزّةَ نفسي بالوشوشات والاتّهامات. وبدل الحبّ امتلكت الفراغ. ونهش صقيع الوحدة عظامي. لقد غرّبت نفسي عن نفسي.

أدانني الناس على أعمالي، وأعمالي تُدان. ولكن، لمَ هذه القسوةُ كلّها؟ من ينشلني من هذه الهوّة؟ من؟
لقد وصلنا عنده... أفقدت الشعور نهائيًّا أم أنّ هذا هدوءٌ، ذاك الذي أشعر به؟
تقدّم أحدهم منه وتحدّث إليه. نكّست رأسي منهكة. انتظرتُ حكمه. لقد خَمَدَ ضجيج من ساقوني إلى هذه المحكمة. هم أيضًا انتظروا حكمه.

المرأة أمام يسوع وموقف الاطمئنان:
بَعُدَ عنّي من حاصروني وبقيتُ وحدي أمام يسوع. هدأ روعي واستجمعت شجاعتي ورفعت نظري إليه. ما مِن تكبُّرٍ عنده ولا من برٍّ ذاتي، بل حنانٌ وقوّة وتواضع. أحزن عليّ أم راعى شعوري، أم... لم يكترث لأمري؟؟ لأنّي أراه يحني الرأس ويخطّ على الأرض.

ولكنّه رفع رأسه إلى من أحاطوا بي ونظر إليهم بتواضعٍ وسلطان عجيبين. وتردّدت كلماتُه في ذهني وكياني: " من منكم بلا خطيئة، فليرمها أولاً بحجر". ثمّ انحنى ثانية وتابع الكتابة.

ما كان أدهشَ ما عاينت! أتصدّقون أنّ من ادّعوا عليّ ألقوا الواحد تلو الآخر الحجر من يده من كبيرهم إلى صغيرهم وانسحبوا؟ لا أصدّق ما أرى! لا أستوعب ما يحصل! أنا لم تهشّمني الحجارةُ بعد!!! ومن قبِلوا رؤيتي أتضرّج بدمائي ثمنًا لأخطائي لم يصرّوا على قساوتهم بل أقرّوا بخطئهم الشخصيّ. ولمّا صرتُ وحدي معه، وقف يسوع وعندها، نظر إليّ بحنان الأم التي ترى ولدها سالمًا بعد خطرٍ أحدق به وسألني:

"أين هم المشتكون عليك؟ ألم يدِنك أحد؟ "كلا، لم يبقّ أحد منهم ليدينني"!

يسوع يمنح المرأة الغفران والسلام:
"ولا انا أدينك. اذهبي بسلام ولا تعودي إلى الخطيئة في ما بعد".
هذا هو الفرق بين حكم الشريعة القاضي بالرجم وحكم يسوع القاضي بالرحمة. ربّما نظرتِ الشريعةُ إلى المجتمع البشري وكيف يُصان من الفساد، لكنّ يسوع نظر إلى كلّ نفسٍ بشريّة، كم هي غالية ولا تقدَّر بثمنٍ في عينيه. من أجل خلاصها أتى وفي سبيلها عزم المضيّ حتّى الصليب، أفيفرّط بها؟ نظر يسوع الى أفقٍ أبعدَ بكثير من قوانين الشريعة التي أرغمت الإنسان على خدمتها وحوّلته عبداً خاضعاً لها وجعل من الشريعة ناموسَ حياةٍ بكلامه الذي هو روح وحياة. يسوع أحبّ فغسل الإثمَ وغفر.

صلاة شكر:
شكراً لك يا يسوع، فأنت بغنى نعمتك، صالحتنا مع الآب وأعدتنا الى ذاتنا، ولمستنا برأفتك لأنك اله الرحمة والرأفة والتعزية. فمنذ نظرتُ الى وجهك يا إلهي إطمأنّ قلبي وبغفرانك تجدّدت حياتي وسيرتي. أعدك بأنّي لن أعود الى الخطيئة مرة أخرى فهوذا كلّ شيء عندي قد صار جديداً وقد نلت الحياة التي فيك يا أبا المراحم. لك المجد والشكر والعزّة والتسبيح الى الابد أمين.
 

الاب انطونيوس مقار ابراهيم
راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان