HOME

 

"الآنَ يا رَبُّ أَنتَ أَبونا نَحنُ الطِّينُ وأَنتَ جابِلُنا ونَحنُ جَميعاً عَمَلُ يَدِكَ" (إش 64: 7)

 
 

إنجيل القدّيس يوحنّا .41-1:9

في ذلك الزّمان: بَينَما يَسوعُ سائِر، رأَى رَجُلاً أَعْمى مُنذُ مَولِدِه.
فسأَلَه تَلاميذُه:
"رابِّي، مَن خَطِىءَ، أَهذا أَم والِداه، حَتَّى وُلِدَ أعْمى؟".
فأَجابَ يسوع:
"لا هذا خَطِئَ ولا والِداه، ولكِن كانَ ذلك لِتَظهَرَ فيه أَعمالُ الله.
يَجِبُ علَينا، مادامَ النَّهار، أَن نَعمَلَ أَعمالَ الَّذي أَرسَلَني. فاللَّيلُ آتٍ، و لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَعمَل فيه.
مادُمتُ في العالَم. فأَنا نورُ العالَم
".
قالَ هذا وتَفَلَ في الأَرض، فجَبَلَ مِن تُفالِه طينًا، وطَلى بِه عَينَي الأَعْمى،
ثُمَّ قالَ له:
"اِذهَبْ فَاغتَسِلْ في بِركَةِ سِلوامَ»، أَي الرَّسول. فذَهَبَ فاغتَسَلَ فَعادَ بَصيرًا.
فقالَ الجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرونَه مِن قَبلُ لأَنَّه كانَ شحَّاذًا:
"أَما هو ذاكَ الَّذي كانَ يَقعُدُ فيَستَعْطي؟"
ومنهم من قال:
"إِنَّه هو". ومنهم من قال "لا، بل يُشبِهُه". أَمَّا هوَ فكانَ يقول: "أَنا هو".
فقالوا له:
"فكَيفَ انفَتَحَت عَيناكَ؟"
فأَجابَ:
"إِنَّ الرَّجُلَ الَّذي يُقالُ لَه يسوع جَبَلَ طينًا فطَلى بِه عَينَيَّ وقالَ لي: «اِذهَبْ إِلى سِلوامَ فَاغتَسِل. فذَهَبتُ فَاغتَسَلَتُ فَأَبصَرتُ".
فقالوا له:
"أَينَ هو؟" قال: "لا أَعلَم".
فَذَهبوا إِلى الفِرِّيسيِّبنَ بِذاكَ الَّذي كانَ مِن قَبْلُ أَعْمى.
وكانَ اليَومُ الَّذي فيه جَبَلَ يسوعُ طينًا وفَتحَ عيَنَيِ الأَعمى يَومَ سَبْت.
فسأَلَهُ الفِرِّيسيُّونَ أَيضًا كَيفَ أَبصَر. فقالَ لَهم:
"جَعَلَ طينًا على عَينَيَّ ثُمَّ اغتَسَلتُ وها إِنِّي أُبصِر".
فقالَ بَعضُ الفِرِّيسيِّين:
"لَيسَ هذا الرَّجُلُ مِنَ الله، لأَنَّه لا يَحفَظُ شَريعةَ السَّبْت". وقالَ آخَرون: "كَيفَ يَستَطيعُ خاطِئٌ أَنَ يَأتيَ بِمثِلِ هذهِ الآيات؟" فوَقَعَ الخِلافُ بَينَهم.
فقالوا: أَيضًا لِلأَعمى:
"وأَنتَ ماذا تَقولُ فيه وقَد فَتَحَ عَينَيكَ؟" قال: "إِنَّهُ نَبِيّ".
على أَنَّ اليَهودَ لم يُصَدِّقوا أَنَّه كانَ أَعْمى فأَبصَر، حتَّى استَدْعَوا والِدَيه.
فسأَلوهما:
"أَهذا ابنُكما الَّذي تَقولانِ إِنَّه وُلِدَ أَعمى؟ فكَيفَ أَصبَحَ يُبصِرُ الآن؟"
فأَجابَ والِداه:
"نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ هذا ابنُنا، وأَنَّه وُلِدَ أَعْمى.
أَمَّا كَيفَ أَصبَحَ يُبصِرُ الآن، فلا نَدْري، ومَن فَتَحَ عَينَيه فنَحنُ لا نَعلم. إِسأَلوهُ، إِنَّه مُكتَمِلُ السِّنّ، سَيَتكلَّمُ هو بِنَفسِه عن أَمرِه
".
وإِنَّما قالَ والِداهُ هذا لِخَوفِهِما مِنَ اليَهود، لأَنَّ اليَهودَ كانوا قدِ اتَّفَقوا على أَن يُفصَلَ مِنَ المِجمَعِ مَن يَعتَرِفُ بِأَنَّه المسيح.
فلِذَلكَ قالَ والِداه: إِنَّه مُكتَمِلُ السِّنّ، فاسأَلوه.
فَدَعَوا ثانِيَةً الرَّجُلَ الَّذي كانَ أَعمى وقالوا له:
"مَجِّدِ الله، نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ هذا الرَّجُلَ خاطِئ".
فأَجاب:
"هل هو خاطِئٌ لا أَعلَم، وإِنَّما أَعلَمُ أَنِّي كُنتُ أَعْمى وها إِنِّي أُبصِرُ الآن".
فقالوا له:
"ماذا صَنَعَ لكَ؟ وكَيفَ فتَحَ عَينَكَ؟"
أَجابَهم:
"لقد قُلتُه لَكم فلَم تُصغُوا، فلِماذا تُريدونَ أَن تَسمَعوه ثانِيَةً؟ أَتُراكم تَرغَبونَ في أَن تَصيروا أَنتُم أَيضًا تَلاميذَه؟"
فشَتَموه وقالوا:
"أَنتَ تِلميذُه، أَمَّا نَحنُ فَإِنَّنا تَلاميذُ مُوسى.
نحَنُ نَعلَمُ أَنَّ اللهَ كَلَّمَ مُوسى، أَمَّا هذا فلا نَعلَمُ مِن أَينَ هو
".
أجابَهُمُ الرَّجُل:
"فعَجيبٌ أَن لا تَعلَموا مِن أَينَ هو وقَد فتَحَ عَينَيَّ.
نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ اللهَ لا يَستَجيبُ لِلخاطِئين، بل يَستَجيبُ لِمَنِ اتَّقاهُ وعَمِلَ بِمَشيئتِه.
ولَم يُسمَعْ يَومًا أَنَّ أَحدًا مِنَ النَّاسِ فتَحَ عَينَي مَن وُلِدَ أَعْمى.
فلَو لم يَكُن هذا الرَّجُلُ مِنَ الله، لَما استَطاعَ أَن يَصنَعَ شَيئًا
".
أَجابوه:
"أَتُعَلِّمُنا أَنتَ وقد وُلِدتَ كُلُّكَ في الخَطايا؟" ثُمَّ طَردوه.
فسَمِعَ يسوع أَنَّهم طَردوه. فلَقِيَه وقالَ له:
"أَتُؤمِنُ بِابنِ الإِنسان؟"
أَجاب:
"ومَن هو. يا ربّ، فأُومِنَ به؟"
قالَ له يسوع:
"قد رَأَيتَه، هو الَّذي يكَلِّمُكَ".
فقال:
"آمنتُ، يا ربّ" وسجَدَ له.
فقالَ يسوع:
"إِنِّي جِئتُ هذا العاَلمَ لإِصدارِ حُكْمٍ: أَن يُبصِر الَّذينَ لا يُبصِرون ويَعْمى الَّذينَ يُبصِرون".
فسَمِعَه بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ الَّذينَ كانوا معَه فقالوا له:
"أَفنَحنُ أَيضًا عُمْيان؟"
قالَ لَهم يسوع:
"لو كُنتُم عُمْيانًا لَما كانَ علَيكُم خَطيئة. ولكِنَّكُم تَقولونَ الآن: إنَّنا نُبصِر فخَطيئَتُكُم ثابِتَة".
 


"الآنَ يا رَبُّ أَنتَ أَبونا نَحنُ الطِّينُ وأَنتَ جابِلُنا ونَحنُ جَميعاً عَمَلُ يَدِكَ" (إش 64: 7)

إنّ "النُّورَ الحَقّ الَّذي يُنيرُ كُلَّ إِنْسان آتِياً إِلى العالَم" (يو 1: 9) هو مرآة الآب الحقيقيّة. فالرب يسوعّ المسيح هو شُعاعُ مَجْدِ الآب (راجع عب 1: 3) ومُبعِد العمى عن عيون الّذين لا يرون. إن الرّب يسوع المسيح الّذي أتى من السماء مرَّ لكي يراه كلّ جسد...؛ وحده الأعمى ما استطاع رؤية الرّب يسوع المسيح، مرآة الآب... ففتح الرّب سجنه هذا؛ لقد فتح عيون الأعمى، الّذي رأى في المسيح مرآة الآب...

لقد خُلِق الإنسان الأوّل منوّرًا، ولكنّه وجد نفسه أعمى، عندما أغوته الحيّة. خُلق هذا الأعمى عن جديد عندما بدأ بالإيمان... إنّ الّذي كان أعمى منذ مولده كان جالسًا... دون أن يطلب من أيّ طبيب مرهمًا ليشفي عيونه... أتى مُبدع الكون وعكس في المرآة الصورة. رأى بؤس الأعمى الجالس هنا والّذي يطلب الصدقة. يا لأعجوبة تُظهِرُ قوّة الله! تشفي ما تراه، وتنير ما تزوره...

إنّ الّذي خلق الكرة الأرضيّة فتح الآن عيون العميان... الفخّاريّ الّذي صنعنا (راجع تك 2: 6، إش 64: 7) رأى هذه العيون فارغة...؛ لقد لمسها بطينٍ من تراب الأرض ممزوج بلعابه وحين وضع هذا الطين، كوّن (من جديدٍ) عيني الأعمى... إنّ الإنسان مصنوع من الطين، من الوحل...؛ فالمادّة الّتي استعملها الرّب (في البدء) لتكوين العيون، استعملها ليشفي بها العيون لاحقًا. ما هو العمل الأعظم: خلق الشمس أم خلق عيونٍ جديدة للمولود أعمى؟ إنّ الرّب قد جعل الشمس مشعّة وهو جالس على عرشه؛ ومن خلال تجواله في ساحات الأرض العامّة، سمح للأعمى بالبصر من جديد. أتى النور من دون أن يُطلب، وبدون إلحاحٍ في الطّلب، حُرّر الأعمى من عاهة مولده.