الرئيسية

يقول الرب " توبوا إليَ بكل قلوبكم بالصوم والبكاء والندب، مزقوا قلوبكم لا ثيابكم" فتوبوا إلى الرب. الرب حنون رحيم، بطيء عن الغضب، كثير الرحمة، نادم على السوء" يوئيل 2: 12-13

 

إذا صمنا، أو مهما عملنا فليكن لملاقاة الرب وعمل إرادته في حياتنا

 
 

 

يعتبر الصوم زمن الارتداد، زمن مسيرة روحية تذكّر بالأربعين سنة التي قضاها الشعب في البرية، صوم إيليا والأهم من ذلك صوم السيد المسيح في البرية والأربعين يوما التي قضاها بدافع من الروح.

إذا صمّم أحد الذهاب إلى الصحراء، فهو يوافق على الصمت والعزلة. وبذلك تنكشف عبثية العالم ومتطلباته، وتصبح حياتنا واضحة، والحاجة إلى الله سهلة المنال.

ذهب يسوع إلى الصحراء كي يجربّه الروح، يقول مرقس الإنجيلي. إنها لآيات سريّة تضع السيد المسيح في سلالة آدم- الإنسان الأول الذي جُرِّب- في حالة خطرة، وغامضة. لقد تعرّض مثل كل إنسان إلى التجربة بجسده وروحه. كان عليه الاختيار كي يكون أمينا. ونحن نحاول إتباعه في صراعه ضد الأحاسيس والعواطف، ضد البخل والجشع والكبرياء: لقد خضع للتجربة، وشارك ضعفنا البشري، يقول القديس اغوسطينس، كي نشاركه نحن انتصاره.

ممارسات الصوم، تعتبر وسائل لاكتشاف ذواتنا وللمثول أمام عظمة الخالق. أمامنا حركتان: إما أن نتعلق بالأشياء وإما أن نتخلى عنها. فالصوم والصدقة، يجعلاننا نتخلى عن طغيان الجسد والخيرات المادية. جسدنا، كما يقول القديس بولس، بحاجة إلى أن يُكبَح. فالامتناع عن الطعام بوساطة الصوم، يحتلّ المكان الأول للسيطرة على الذات. كم مرة تواجه قناعاتنا الراحة والاستجمام؟ أن تصوم، يعني أن تكون ساهرا لفترة الراحة، أن تكون ساهرا لفترة الفراغ... فالصوم هو الطريقة التي فيها نوجّه رغباتنا ولا نجعل مجالا للخطيئة بأن تسيطر علينا، ولا نسمح لأنفسنا أن نعمل ما نريد.

والصدقة كذلك، تأخذ نفس المعنى. فهي تساعدنا عن التخلي عن حاجاتنا المادية. مرارا عديدة، ننسى أن هذه الحاجات ما هي إلا وسيلة وليس هدفا. علينا أن نوجّهها في الإتجاه الصحيح، كي تساعدنا على عمل الخير، دون أن نتمسك بها وبذلك نحرّر القلب من العبودية. علينا أن نفحص ضميرنا، حول الماديات التي في حوزتنا، حول مشاريعنا المادية حول طموحاتنا، كم تطغى على فكرنا وتصرفنا. وفي نفس المنطق، علينا أن نتعلم كيفية التخلي عن إرادتنا وحكمنا الخاص.

فنكران الذات، هو الوسيلة التي من خلالها نعيد حريتنا، ونجد متطلباتنا الضرورية كي نكتشف إرادة الله في حياتنا.

والعمل الآخر الذي تعرضه علينا الكنيسة، وهو الأهم، الصلاة. والتي تتطلب لقاء، قبل كل شيء في الخفاء، أي في القلب مع الله. وبالحقيقة عندما أوصانا يسوع بالصلاة والصدقة والصوم، فهو بذلك ركّز على ممارستها بطريقة ملحوظة. فمن الضروري أن يعيش الإنسان بوعيه وإدراكه، أمام متطلبات الخالق، من أن يعيش أمام متطلبات ذاته.

 تعرّض يسوع إلى ثلاث تجارب، وفي كل مرة كان ينتصر فيها، كان يواجهها بكلمات الكتاب المقدس. يا ليتنا نقوم بنفس العمل لمواجهة التجارب. وإذا صمنا، أو مهما عملنا فليكن لملاقاة الرب وعمل إرادته في حياتنا.